أثارت مؤلفات وآراء الدكتورة نوال السعداوي حول حقوق المرأة وقضايا أخرى جدلا واسعا على مدى العقود الأربعة الأخيرة. .
وتعرضت السعداوي بسبب آرائها إلى الاعتقال والتهديد. وعاشت بضع سنوات في المنفى. وفي عام 2001 رفضت محكمة في القاهرة دعوى قضائية رفعت ضدها بهدف إجبارها على الطلاق من زوجها. وأعلنت عام 2005 عن ترشيح نفسها في الانتخابات الرئاسية التعددية.
وتقول السعداوي الموجودة خارج مصر في تصريح لـ بي بي سي العربية إنها فضلت الآن مغادرة البلاد في ظل التهديد من قبل الحكومة، بعد ترشيح نفسها للانتخابات، ومن التيارات المتشددة، ارتباطا بقضية التفريق ( الحسبة).
تستضيف بي بي سي العربية السعداوي في هذا المنتدى للإجابة على أسئلتكم.
هنا الردود على جزء منها وسنوالي نشر الإجابات على ما تبقى من الأسئلة التي وصلتنا:
محمد السيد - مصر: قادة التنوير في المجتمعات يندمجون فيها محاولين إصلاح ما أفسدته الديكتاتورية و التطرف وليس بالهروب. السؤال هو ما هي أطروحاتكم التي تسهم في جعل المواطن المصري يعيش بكرامة؟
نوال السعداوي: كلمة "الهروب" لا تنطبق علي و لا أحبها، وهناك إناس يصطادون في المياة العكرة. فأنا مندمجة في المجتمع المصري حتى النخاع أكثر من الحكومة المصرية ذاتها. فكتبي قرأتها أربعة أجيال منذ نشرها حتى الآن. عندما خرجت من مصر كنت غاضبة من النخبة المصرية والعربية التي باعت نفسها لرجال المال والسلطة الذين يحكمون البلاد. ليس غريبا أن تصمت تلك النخبة عندما تم تقديمي للمحاكمة بتهمة التكفير. أتمنى أن تكون الأسئلة القادمة موضوعية و ليست مجرد هجوم.
جنان - السودان: ما هو رأيك في موضوع ختان الإناث لأن هناك أراء كثيرة في هذا الموضوع الحساس؟
نوال السعداوي: أنا ضد ختان الإناث والذكور. أقول هذا من منطلق كوني طبيبة، كما أقول أيضا بصوت عالي إن كل المعلومات الطبية تقول إن قطع جزء من جسد الطفل فيه خطورة شديدة. تاريخيا، فكرة الختان جاءتنا عن طريق العبودية و ليس لها علاقة بالإسلام. إنه لمن المضر قطع جزء مهم من جسد المرأة، فدول مثل السعودية و سوريا و العراق و تونس لا تعرف فكرة ختان الإناث. لقد ذكر في التوراة أن بني إسرائيل و ذرية إبراهيم سيكون لهم الأرض الموعودة مقابل أن يختنوا الذكور. أؤكد أن الختان عادة ليس لها علاقة بالإسلام أو الطب. هل منطقي أن نقوم بقطع جزء من الطفل الذي خلقه الله سليما؟!
مينا - مصر: لماذا ترفضين الحجاب وتهاجميه و أيضا الحج؟
نوال السعداوي: ما أعارضه هو أن يستولي الزوج على مصاريف أسرته ومدخرات زوجته و يشتري تذكرة للحج و يقبل الحجر الأسود. فالعمل عبادة و إطعام الأطفال عبادة. بل أن كل طقوس الحج جاءت قبل ظهور الأديان، وهذا هو جزء من التاريخ. الحج ليس عبادة إسلامية فقط، فالإسلام جاء ليمنع تقبيل الحجر الأسود. أما بالنسبة للحجاب، فأنا ضد اعتبار أن المرأة عورة. فالأخلاق في سلوك المرأة و عملها وليس في تغطية شعرها الذي يعد تزييفا للأخلاق. لا بد أن ننظر للمرأة على أن لها عقل.
أيمن الدالاتي - سوريا: اتفق مع الدكتورة السعداوي بنقاط كثيرة، و اختلف معها بنقاط أقل، إنما أكثر أهمية و دسما، لكن بالنسبة لفصل الدين عن الدولة لا يمكن هذا أبدا. إنما الصح هو عدم تسييس الدين و عدم تديين السياسة؟
نوال السعداوي: عزيزي أيمن. اختلف معك، فمن الممكن فصل الدين عن الدولة وقد حدث ذلك بالفعل في بلاد أخرى. أنحن شعوب أقل من الشعوب الأخرى التي قامت بذلك؟! طالما أن الدين دخل في السياسة لن يكون هناك نقاش وسيكون القتل مصير من يختلف معك. فعلى الدولة أن تحكم بقوانين مدنية، فالدين حالة خاصة، وعلى كل شخص أن يعبد إلهه في بيته.
صابر بابان - بغداد: هل مصر والدول العربية تتمتع بالديمقراطية كي تستطيعي أن ترشحي نفسك و خصوصا آراءك العلمانية تلقي رفض من كل الحكومات العربية بسبب العقيدة الدينية ... وما هو سبيل التغيير في مصر بصورة خاصة والدول العربية بصورة عامة؟
نوال السعداوي: لماذا نناضل إذا كانت بلادنا تتمتع بالديمقراطية؟! نريد أن نتحدى الديكتاتورية لا أن انتظر الديمقراطية تهبط من السماء، و لذلك قمت بترشيح نفسي في الانتخابات لمواجهة النظام ديكتاتوري في مصر برغم أنني كنت أعي جيدا أن مشاركتي رمزية و لن يسمح بها. أشير هنا أن الحكومات العربية كلها ديكتاتورية، وكذلك الحكومات الغربية. الحل هو أن يبدأ كل شخص بنفسه. لا بد أن تسأل نفسك "ماذا قدمت حتى يكون هناك ديمقراطية حقيقية" بدلا من أن تجلس في بيتك لتربية الأولاد. أتعجب لماذا لم يكن هناك رد فعل عندما تم استدعائي للنيابة.
أبو عمرو - فلسطين: كل كتاباتك عن المرأة وعلاقاتها مع الرجل ..ما هو موقفك من قضايا الأمة ؟
نوال السعداوي: أنا لا أفصل بين تحرير المرأة و تحرير مصر و الوطن العربي، و قمت بالربط في كتاباتي بين الاستعمار سواء أكان بريطانيا في السابق وأمريكيا حاليا من ناحية و قضايا المرأة. الصحافة تشيع أنني اكتب عن المرأة فقط، لكني أؤكد أن كتاباتي تربط بين قضايا المرأة وعلاقاتها بالسياسة المحلية و الدولية.
عباس - كندا: هل فكرت في الحصول على جائزة نوبل؟
نوال السعداوي: أنا رشحت بالفعل لجائزة نوبل، بل أن هناك أفرادا يعتقدون أن إنتاجي الأدبي و الفكري أهم من جائزة نوبل التي هي في الأساس جائزة سياسية أكثر منها فكرية. الأديب الحقيقي هو ما لا يهتم بالجوائز و إن كانت تعطي له دفعة قوية خاصة إذا كان يشعر بالاضطهاد في مجتمعه.
رفعت ناجى - مصر: استأذنك أن تعرفي لي من هو المثقف؟ و ما هو وجهة نظرك في من يختلف معك في أرائك؟
نوال السعداوى: يا سيد رفعت، المثقف هو الإنسان الذي يحاول أن يفهم العالم من حوله ويتحاور معه و يربط بين المجالات المختلفة للمعرفة (الطب والأديان و التاريخ). أما بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، الاختلاف في الرأي أمر لا بد منه، لكن هذا الاختلاف لابد أن يكون بالفكر و العقل لا بالسيف و التكفير. وهنا تقع مشكلتنا في العالم العربي أن من يختلف معنا نعتبره كافرا يجب أن يعتقل أو يقتل. فلم نتعود على التعامل مع من يختلف معنا في الآراء.
مها محمود - الإسكندرية: ما هو تقييمك للديمقراطية في مصر؟ ... ولماذا لم تصمدى طالما أنت مؤمنة بقضيتك؟
نوال السعداوي: لا توجد ديمقراطية في مصر أو في أي من بلاد العالم حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي درست فيها لمدة 13 عاما حيث تبنى فيها الديمقراطية على المال و السلطة. بل أن السؤال يبقى: ما هي الديمقراطية؟ إنها ليست الذهاب إلى صناديق الاقتراع أو ممارسة حرية التعبير، إنما هي العدالة الاجتماعية و الاقتصادية. لقد رأيت فقرا في بلجيكا يشابه ذلك الموجود في مصر، و رأيت فقرا في أمريكا لا يقل عن مثيله في الهند. و الله أنا صامدة حتى الآن. لو قرأت تاريخي لوجدت أنني تعرضت للسجن و النفي و تم وضعي على "قائمة الموت". يا مها، أنا عمري الآن 75 عاما. عندما خرجت من مصر لم أفر كما يقولون ولكن لأن عندي شغل في الخارج أقول به. و أؤكد لك أنني سأعود إلى مصر حتى لو حكم علي في قضية "إزداء الأديان" المرفوعة ضدي.
إبراهيم على سالم - أبو ظبي: لماذا رفضتي المناظرة مع الدكتورة سعاد صالح أستاذة وعميدة سابقة بجامعة الأزهر الشريف؟
نوال السعداوي: لم يحدث ذلك، وهو ما يجعلني أشعر بالدهشة من طبيعة انتشار مثل تلك الأخبار غير الصحيحة. على العكس، لقد رفض طلبي لمناظرة الشيخ (محمد متولي) الشعراوي خمس دقائق كل أسبوع وهو الذي يتكلم كل يوم ساعة.
رمزي - سدني: تحرر المرأة من أولوياتك خلال السنوات الطويلة الماضية ... هل أنت راضية عما حققته في هذا المجال أم أن المهمة كانت اكبر من توقعاتك؟
نوال السعداوي: أنا راضية بما فعلت، لأن في مصر أشعر بأني محاطة بأربع أجيال من النساء و الرجال تأثروا بأعمالي و كتاباتي... و أنا راضية لأن لي تأثير بين هؤلاء الناس.
نجدت صبري القاضي - دهوك - العراق: وضع المرأة في شمال العراق أفضل من وضعها في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، إلا أن التركيبة الاجتماعية المتوارثة و العادات و التقاليد تفرض علينا (الرجال والنساء) أوضاعا لا نملك منها فكاكا علما أن هذه الأوضاع ليس لها علاقة بالالتزام الديني؟
نوال السعداوي: أنا لم أدرس وضع المرأة في شمال العراق، لكن سيدات عراقيات تقلن إن أيام صدام أفضل من الآن. وليست المسألة في هذا الشأن تتعلق بالعادات والتقاليد، بل بالسياسة، حيث أن المرأة في عراق ما قبل الاستعمار الأمريكي الجديد كانت أكثر تحررا. وهنا يجب علينا فهم المشكلات في العراق ووضعها في سياقها. أما عندما نتكلم عن المرأة ومشكلاتها دون الحديث عن الاحتلال والاستعمار فقد بعدنا عن الحقيقة.
لمى عيزوقي: حبذا لو تعطينا الدكتورة نوال فكرة مختصرة عن المواضيع التي تناولتها في حياتها وعن أهم النشاطات الإنسانية التي قامت بها في مصر و في خارجها؟
نوال السعداوي: صعب في خلال دقائق أن ألخص ما كتبت، فأصدر لي أربعون كتابا أعيد نشرها. عليك أن تقرئيها لمعرفة الإجابة على السؤال. لكن بشكل مختصر، الفكرة الأساسية في مؤلفاتي هي الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى في نواحي ثقافية و اجتماعية و سياسية. كما أحاول أن أدرس الأديان لمعرفة ما يحدث في مصر وأربط بين مجالات المعرفة التي تم فصلها من خلال دراستنا الأكاديمية في الجامعات.
ناهد تاج هاشم - الكويت: ... أريد أن أسألك عن رأيك فيما يحدث حاليا. كثيرا ما يخلط بعض من أبناء الجيل الحالي بين مفهوم حرية المرأة كإنسان بالدرجة الأولى والقيام بأعمال ليست مناسبة للمرأة (من منطلق السعي للمساواة بين الرجل والمرأة)؟
نوال السعداوي: من قال أن المرأة يجب أن تكون مثل الرجل. ما أقوله إن المرأة إنسانة لها جميع الحقوق. صحيح أن الرجل مستعبد والمرأة مستعبدة، لكن استعباد المرأة ضعف استعباد الرجل. ما يحدث هو أن جسد المرأة يعرض للاستهلاك في السوق الحرة، حيث يعرض عليها إما تغطية أو تعرية جسدها. وهكذا صارت المرأة أداة في هذه السوق من قبل التيارات الدينية المسيطرة.
حسام أبو الفتوح: ما وجهة نظرك في التعديلات الدستورية الحالية؟ وهل سوف تحدث تغييرا في تاريخ مصر؟
نوال السعداوي: لن تحدث سوى تغييرات طفيفة في الدستور، مثلما حدث قبل الانتخابات الرئاسية. بل على العكس، التغييرات السابقة في الدستور كانت ضد المرشحين الرئاسيين وخاصة المستقلين منهم. عليك أن تتأكد أن تلك التعديلات ليس لها علاقة بحل المشكلة في مصر.
صالح عزيز - لندن: د.نوال أنا من المعجبين بآرائك ومؤلفاتك، ولكن الا تعتقدين بأنك تجاملين أحيانا، من خلال تصريحاتك، الإسلاميين وبذلك تحتفظين - بجسور - ولو ضعيفة مع هؤلاء وهو ما يجعلك عرضة للتهديد أحيانا و امرأة صالحة في نظرهم أحيانا أخرى. أليس من الأجدر بك أن تصري على مواجهتك للرجعية والتخلف المرتبطين، شئنا أم أبينا، بالدين؟
نوال السعداوي: عزيزي صالح، أنا لا أجامل الإسلاميين على الإطلاق. على العكس، أنا أرفض قيام الدولة الدينية وأطالب بفصل الدين عن الدولة وإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري التي تعتبر الإسلام مصدر التشريعات.
سميح - برايتون - بريطانيا: تواجهك دعاوى قضائية و تهديدات منذ سنوات، ما سر قرارك في مغادرة مصر في هذا التوقيت بالذات حيث مجال الحريات أفضل نسبيا من الماضي؟
نوال السعداوي: عزيزي سميح، في 28 يناير/ كانون الثاني، قامت النيابة المصرية بالتحقيق معي وابنتي الكاتبة منى حلمي في إطار قضية "إزدراء الأديان" الموجهة ضدنا. وتتعلق القضية بمقال واحد كتبت عبرت فيه ابنتي عن رغبتها أن تحمل اسم أبيها وأمها. من ناحية أخرى، منعت خمسة من أعمالي من النشر أيضا. لذلك شعرت بالتهديد من نظام يقدمني للمحاكمة، وشجعتني كل هذه الأسباب على ترك البلاد التي لم أكن أفكر في مغادرتها من قبل. يأتي ذهابي للخارج أيضا بسبب احتياجي إلى الهدوء لكتابة رواية جديدة وكذلك دعوتي لحضور عدة مناسبات في الخارج كمؤتمر في روتردام و آخر في بروكسيل ودعوة أخرى لاستلام جائزة الأدب الأفريقي من جامعة ويست فرجينيا. إضافة إلى دعوى أخرى بالتطليق (الحسبة)، وهي قضية جديدة غير مرتبطة بقضية أخرى رفعت للتفريق بيني وبين زوجي بالقوة في عام 2001. لكني لا أعرف لماذا رفعت قضية أخرى ضدي هذا العام.