جبل الجليد
كما بدأت السفينة تيتانك رحلتها بالفرح والأمنيات الحلوة استمرت رحلتها عبر المحيط على هذا النحو لأربعة ليال كاملة . فراح كل من عليها يستمتع بأجمل الأوقات ، كان الاستمتاع بجمال وفخامة السفينة بحجراتها الواسعة الأنيقة ومطعمها البديع وما يحمل من أشهى المأكولات المختلفة هو نوع آخر من المتعة الكبيرة التي حظي بها ركاب السفينة .
ومن ناحية أخرى كانت السفينة تايتانك قد قطعت شوطا كبيرا من رحلتها الأولى بنجاح وهدوء تام ، أثبتت فيه جدارتها الفائقة في خوض البحار ، وقد دعا هذا إلى زيادة سرعة السفينة بدرجة كبيرة وإطلاق العنان لها بعد أن تأكد لطاقمها جدارتها في خوض البحر خلال الخمسمائة ميل السابقة
أما قبطان السفينة ، كابتن ( إدوارد سميث ) والبالغ من العمر 62 عاما فقد كان اسعد من عليها ، فهذه الرحلة الأخيرة له والتي يختتم بها ما يزيد على ثلاثين عاما من العمل في أعالي البحار ، والذي شهد له الكثيرون خلال هذه الفترة بالنجاح والمهارة الفائقة .
كابتن سميث ( كابتن السفينة )
رسأئل الأنذار ...
وفي 14 إبريل 1912 وهو اليوم الخامس من رحلة السفينة بدأت المخاطر تتربص بالسفينة العملاقة ومن عليها من سادة القوم .. فمنذ ظهيرة ذلك اليوم حتى اخره ، تلقت حجرة اللاسلكي بالسفينة رسائل عديدة من بعض السفن المارة بالمحيط ومن وحدات الحرس البحري تشير إلى اقتراب السفينة من الدخول في منطقة مياه جليدية مقابلة للساحل الشرقي لكندا .. وعلى الرغم من هذه الرسائل العديدة التي تلقتها السفينة لم يبد أحد من طاقمها وعلى الأخص كابتن سميث أي اهتمام حتى أن عامل اللاسلكي قد تلقى بعض الرسائل ولم يقم بإبلاغها إلى طاقم السفينة لعدم اكتراثهم بها .. فعلاوة على اعتقادهم من خبرتهم السابقة بندرة تكون الجليد في هذه المنطقة من المحيط في شهر أبريل فقد كانوا جميعا على ثقة بالغة بسفينتهم العملاقة تايتانك .. فقد كانت تبدوا لهم اكبر واكبر من أن يعترض شيئا طريقها ..فما بالهم يعبئون ببعض قطع من الجليد ؟؟؟؟
خاصة أن المحيط هذا اليوم كان هادئا تماما كالبساط الممتد .. كما كان الجو باردا لكنه كان مشمسا في معظم الوقت فماذا يمكن أن يهددهم أو يعترض طريقهم .؟؟؟
لكنه بعد حلول الظلام وبالتحديد في الساعة التاسعة مساءا من نفس هذا اليوم بدأت درجة الحرارة في الانخفاض بشكل ملحوظ مما جعل كابتن سميث يدرك أن السفينة تقترب بالفعل من منطقة جليدية .. لكنه على الرغم من ذلك لم يبد اهتماما كبيرا لهذا الأمر فكل ما قام به هو إعطاء الأوامر بتفقد خزانات المياه خوفا من أن تكون المياه قد تجمدت بها .. كما بلغ مراقب السفينة فر يدريك فليت بتشديد الرقابة والإبلاغ عن أي كتل ثلجية ضخمة قد تتراءى له.. ثم دخل كابتن سميث حجرته لينام !!!
وفي الحقيقة أن كابتن سميث رغم خبرته الطويلة قد وقع في خطأ كبير بهذا التصرف ربما لثقته البالغة بسفينته العملاقة وخبرته الطويلة .. فهو لم يفكر إطلاقا في إنقاص سرعة السفينة حيث كانت تنطلق في هذا اليوم بأقصى سرعتها .. كذلك نسي كابتن سميث أن كتل الجليد الضخمة قد تفاجئ سفينته في لحظات .. فقد كانت الرؤية في هذه الليلة غير قمرية غاية في الصعوبة حتى أن الأفق لم يكن واضحا على الإطلاق.
صورة الجبل الجليدى الذى أرتطمت به التيتانيك
وفى حوالي منتصف نفس هذه الليلة وبينما فليت ـــ مراقب السفينة ـــ يتناول بعض المشروبات الدافئة لعلها تزيل عنه البرد القارص في هذا الوقت .. فجأة رأى فليت خيالا مظلما يقع مباشرة في طريق السفينة وفي ثوان معدودات بدأ هذا الخيال يزداد بشكل ملحوظ حتى تمكن فليت من تحديده .. إنه جبـل جليدي !! فقام فليت بسرعة بإطلاق جرس الإنذار عدة مرات لإيقاظ طاقم السفينة كما قام بالاتصال بالضابط
المناوب واخبره بوجود جبل من الثلج يقع مباشرة في اتجاه السفينة .. حيث قام بسرعة وأمر بتغير اتجاه السفينة ثم بإيقاف المحركات .. ولكن لم يكن هناك أي فرصة لتجنب الاصطدام .. فارتطم جبل الثلج بجانب السفينة .
ومن الغريب أن هذا التصادم لم يكن ملحوظا أو مسموعا بدرجة واضحة حتى أن باقي أفراد طاقم السفينة قد ظنوا انهم نجحوا في تغيير المسار وتجنب الاصطدام .. ومع حدوث هذا التصادم تساقطت كتل كبيرة من الثلج على ظهر السفينة .. وعلى الرغم من ذلك لم تهتز السفينة إلا هزة بسيطة كانت غير ملحوظة لكنها انزلقت قليلا من الخلف .. وبعد عدة دقائق توقفت السفينة تماما عن الحركة .
بعض الركاب فى قوارب النجاة
موقع الغرق 41°44' شمالا ; 49°57' غرب
السفينة كارباثيا ..التي انقذت العديد من ركاب تيتانك
ارثر هنري روسترن قبطان السفينة كارباثيا
كابتن السفينة كاليفورنيا ستانلي لورد
تفاصيل الكارثة ...
لم يشعر معظم ركاب السفينة بان سفينتهم العملاقة قد اصطدمت بأي شئ .. فإلى جانب أن التصادم كان غير مسموعا بدرجة كافية ، كان معظم المسافرين داخل حجراتهم .. في هذه الليلة الباردة بل أن الكثيرين منهم كانوا قد استغرقوا قي النوم فلم يكن مستيقظا في ذلك الوقت سوى بعض الرجال الذين كانوا يدخنون السيجار في الغرفة الخاصة لذلك من الدرجة الأولى بعد تناولهم العشاء وبعد انصراف زوجاتهم إلى حجرات النوم .. ولم يكن صوت هذا التصادم مسموعا لهم ألا بدرجة خافته .. فقام اثنان منهم واتجها إلى ظهر السفينة لمعرفة سبب هذا الصوت الخافت وتبعهما بعد ذلك آخرون وآخرون .. ومن الغريب انهم جميعا لم يبدوا أي اهتمام فلم يبالوا إلا بمشاهدة جبل الثلج والقطع المتناثرة منه على ظهر السفينة .. ثم عادوا جميعا بعد ذلك لما كانوا فيه .. فمنهم من عاد ليكمل لعبته المسلية ومنهم من عاد لتدخين السيجار وتناول المشروبات .. كما دخل بعضهم حجراتهم الخاصة ليخلدوا للنوم .
كذلك عبر بعض المارين بالسفينة في ذلك الوقت عن إحساسهم بهذا التصادم بصور مختلفة .. فقال بعضهم انه كان يبدو كما لو كانت السفينة مرت على ارض من المرمر !! وهو تشبيه ملائم تماما لتلك الطبقة الأرستقراطية .. كما ذكر آخرون : ( انه كان يبدو كالصوت الصادر عن تمزيق قطعة قماش)
كذلك ذكر أحد الضباط على السفينة والذي كان نائما بحجرته في ذلك الوقت : أن كل ما أحس به هو حدوث اهتزاز بسيط بجدار السفينة مما اقلق نومه .. لكنه عاد للنوم مرة أخرى بعد أن تبادر إلى ذهنه أن السفينة قد غيرت من اتجاهها بطريقة غير لائقة .
لحظة اصطدام السفينة تيتانك بالجبل الجليدي
المفاجأة ...